شنشنة أعرفها من أخزم
لم تكن شنشنة الحقد و التحامل و اختلاق الأكاذيب علي آل بيت النبوة و أشياعهم وليدة هذا العصر بل تاريخ عرفنا أنها شنشنة قديمة تولدت في حياة نبينا(ص)و قاسي منها ما قاسي حتي قام(ص)في أصحابه خطيبا و نهي عن التعرض بسوء لوصيه و أخيه علي(ع)و عن إيذاء بضعته و أهل بيته(ع)و حض علي حبهم و التمسك بولائهم و جعلهم في أمته كسفينة نوح(ع)كما نوه بشرف شيعتهم و محبيهم أمثال سلمان و عمار و أبي ذر رضوان اللّه عليهم.
و لكن بعض إخواننا(و يا للأسف)عمدوا إلي تلك الدفائن البالية الرثة فاستخرجوها حية من مدافنها و كسوها حلة ضافية من الزيادة و التحريف و إذا قلت بعض إخواننا عمدوا الخ.فلا أريد الجميع لأن فيهم من يتفاني في حب الوحدة و الوئام كسماحة السيد أمين الحسيني رئيس المؤتمر الإسلامي الأعلي و كالأستاذ الشيخ مصطفي الغلاييني قاضي بيروت الجديد.و أمثالهما الكثرين.و حسبنا أن يكون جل أعضاء المؤتمر الأسلامي العام من هذه الفئة الصالحة.و إنما أريد البعض أمثال النصولي و أحمد أمين المصري و الحصاني من دعاة التفرقة و التضليل في التاريخ(لا التحليل كما يدعون)و لو أراد مريد اتباع طريقهم هذا التحليل في كل شيء و خصوصا إذا بناه مثلهم علي الاحتمالات و الأهواء لكان باستطاعته الحط من كرامة جل الصحابة كما فعل أحمد أمين بخيارهم أمثال أبي ذر الغفاري(رض)بل لتمكن من التهجم علي الشريعة المحمدية و علي صاحبها(ص)كما تهجم الحصاني و نسب إلي صاحب الرسالة التشبه في شريعته بالأثوريين و غيرهم و الاقتباس منهم؟؟
و الحصاني هذا و إن كان أخير القوم إلا أنه أتي بما لم يأت به أوائلهم فإنه بعد أن طعن في ديانة الشيعة و أئمتهم و حذا فيذلك حذو زملائه عمد إلي الطعن في نسب شيعة العراق و أنّب الحكومة علي إعطائهم(و هم الأكثرية الساحقة)كرسيا في الوزارة و ذكرها بالوزارات الفارسية و قضاء العباسيين عليها و شدد النكير أيضا علي الحكومة لتسليمها الشيعة بعض وظائف المعارف في هذه السنة محتجا بأن ذلك مفسد لأخلاق الناشئة العربية و مضر بديانتها؟
و قد أطنب في التمدح بأعداء الرسول العظيم(ص)و مخالفي سيرته و بقوادهم كالحجاج و زياد ابن أبيه المجهول لقتلهم أعداء الدين(بزعمه)و العروبة تحت كل حجر و مدر:و كثيرا ما حاول إثبات أن غير الأمويين ليسوا بعرب و قد كرر قوله(و هل العرب غير أمية)في مواضع جمة من كتابه المملوء بالمتناقضات و قلب الحقائق و غير ذلك مما يطول شرحه و يسوء الغيور استماعه؟؟
و لو لا حب الوئام و عدم الضرب(علي الوتر الحساس القديم)لعرفناه و زملائه(و ليس بخاف عليهم لو لا التعصب)من هم الذين بيضوا صحائف التاريخ العربي و أقاموا عمد الدين الإسلامي و أيدوا الدعوة النبوية و ساروا بسيرة صاحبها(ص)لم تأخذهم في سبيلها لومة لائم هل هم أمية أم هاشم و للّه در ابن أبي الحديد القائل:
و لو لا أبو طالب و ابنه لما مثل الدين شخصا فقاما
قلنا حب الوئام و نضيف إليه الحرص علي حفظ بيضة الإسلام فهي التي علينا السكون و عدم مقابلة
هؤلاء المهاجمين بالمثل و الكتاب الكريم معنا و التاريخ الصحيح نصيرنا.
و هذه الخلة الشريفة اقتبسناها من حكمة مولانا أبي الحسن علي(ع)يوم جاءه أبو سفيان و حرضه علي القيام ضد بيعة السقيفة منشدا:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم و لا سيما تيم ابن مرة أو عدي و ما الأمر إلا فيكم و إليكم و ليس لها إلا أبو حسن علي أبو حسن أشدد لها كف حازم فإنك بالأمر الذي يرتجي ملي
فقال علي(ع)إنك تريد أمرا لسنا من أهله و لا يخفي علي اللبيب ما أراده أبو سفيان قائد قريش يوم أحد و لكن تلك الخلة لا تمنعنا فيما إذا اشتد(الضغط)و تمادي القوم في إثارة الحفائظ و في تحريف التاريخ و حصر الإسلام و العروبة في أعدائهما من أن نقوم بالواجب تجاه الشرف و الدين و الأخلاق.
كما أنها لم تمنع نفس مولانا الإمام(ع)من ذلك:و ما هذا الشعور الحي المتدفق الذي رنّ صداه الرقيق في أنحاء العراق احتجاجا علي رسالة(العروبة في الميزان)المملوءة كفتاه تلفيقا و تضليلا إلا مقدمة لذلك الواجب المقدس؟
ظهرت هذه الرسالة المنسوبة للحصان(و قد تكون بنت جمعية عظيمة أثرية)في بغداد عاصمة الهاشميين حاملة لواء التفرقة و مذكية نار الفتنة بين أبناء الشعب العراقي الهاديء الوديع.حتي أقلقت راحة الحكومة الفتية الحريصة علي الأمن و الوئام.و ذلك من جراء ما انهال عليها من الاحتجاجات الشديدة اللهجة و علي البلاط الملكي أيضاء و الصحف من أكثر المدن العراقية و من العاصمة نفسها حتي قيل أن الحلة وحدها أبرقت خمسين احتجاجا1فضلا عن النجف الأشرف و هي كالقطب في العراق.
و أما الاحتجاجات علي لسان التلفون و علي سبيل المشافهة لجلالة الملك المعظم و لمعالي الوزارة الموقرة فكثيرة جدا و قد أضربت جل الحواضر العراقية عن العمل حتي أن العاصمة بجميع طبقاتها أضربت يوما كاملا و بقية المدن أضربت ثلاثة أيام و بعضها أربعة و أما التظاهرات السلمية فحدث عنها و لا حرج و كذلك الخطب الحماسية و النشيد الحماسي الوطني(الهوسة)الوطنية و بالجملة فالعراق و أكثره شيعي كان في شهر صفر كالبركان الهائج و لو لا أناة الحكومة و لينها تجاه هذه التظاهرات و نهوض علماء الطائفة و زعمائها المصلحين (و في مقدمتهم حجة الإسلام الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطا)و قيامهم في تهدئة الشعور و تلطيف الخواطر لا ختل النظام و حصل ما لا تحمد عقباه في مثل هذه الأيام التي نالت فيها الأمة العراقية استقلالها و أخذت تجد في تعديل المعاهدة و في الرقي و التقدم بكل نشاط،ذلك الاستقبال الذي لم يكتب إلا بدماء شهدائنا الأبطال الذين جاهدوا و جالدوا في سبيله و أكثرهم حفاة في حر الهجير و الحصاني و أمثاله يتنعمون في القصور(الانكليزية)ببغداد.
و إنما أتينا بهذه الكلمة الأخيرة الموجزة مع-اعترافنا بعدم إيفاء البحث حقه-ليطلع القراء الكرام علي موقف الشيعة الشريف مع إخوانهم أهل السنة الذين لا يزال البعض منهم و لعلهم مستأجرون يكيدون للإسلام عامة و يهاجمون الشيعة خاصة و نهضتها و هم لا غيرهم أبطالها و حماتها إذا نابتها النوائب و غالها غائل العدو.
المجلد/24/«سنة 1933 م»نزيل النجف الأشرف«قيس الأنصاري»
الموسم » السنة 1413 - العدد 14